
زلزال قانوني ناشئ يمنح كتالونيا حرية مالية جديدة في الليجا
في خطوة قد تُعيد رسم خريطة التعاقدات في الدوري الإسباني، تقدّم نادي برشلونة بطلب استثنائي إلى رابطة الليجا يقضي بفصل مصاريف فرق السيدات والشباب عن سقف النفقات المخصص للفريق الأول وهو ما سيمنح النادي مزيداً من المرونة في سوق الانتقالات الصيفية ويخفف من القيد الصارم لقواعد اللعب المالي النظيف التي تثقل كاهل الميرينغي منذ سنوات
معانات برشلونة المالية ليست جديدة إذ تكبد النادي ديوناً تجاوزت 1.2 مليار يورو نتيجة استثمارات ضخمة في صفقات عالمية وأجور مرتفعة على مدى العشر سنوات الماضية لكن غياب إيرادات كافية ومحدودية الموارد التشغيلية أجبرت الإدارة السابقة والحالية على اللجوء إلى “وسائل اقتصادية” عدة كبيع الأصول وتسريح لاعبين بهدف خفض الأرقام السلبية دون أن تنجح بشكل كامل في معالجة الأزمة الأساسية
في هذا السياق ذكرت صحيفة “موندو ديبورتيفو” أن المطلب الذي وصفته بالتاريخي يهدف إلى تسوية أوضاع قطاعين مهمين داخل منظومة برشلونة هما فريق السيدات الذي يستقطب اليوم أبرز الأسماء العالمية في كرة القدم النسائية وحقق بطولة دوري أبطال أوروبا ثلاث مرات متتالية وفريق الشباب الذي خرّج عدداً من أبرز المواهب في العالم مثل بيدري وغافي وفيران توريس وهو ما يستوجب معاملة مالية مختلفة عن الفريق الأول لكون نفقاته لا تُولد أعباءً مماثلة لعقود اللاعبين الكبار
وجاء في تصريحات رئيس برشلونة جوان لابورتا خلال اجتماعه مع ممثلي رابطة الدوري الإسباني أن الموسم المقبل سيشهد تقارباً بين الإيرادات والنفقات بقيمة تقديرية تصل إلى 950 مليون يورو لكل منهما معتبراً أن فصل بنود قطاعي السيدات والشباب عن الحسابات العامة للفريق الأول سيتيح للفريق ترميم صفوفه بلا انتهاك لقانون اللعب المالي النظيف كما سيحفز الاستثمار في الأكاديمية وصقل المواهب الشابة دون القلق من تجاوز سقف الأجور
من جانبها رحبت أندية كبرى في إنجلترا مثل مانشستر يونايتد وتشيلسي بمثل هذه الفكرة غير أنها لم تُطبّق بشكل رسمي حتى الآن في البطولات الأوروبية الرئيسية نظراً لربط الاتحاد الأوروبي (UEFA) لتطبيق قواعد اللعب المالي النظيف بشكل موحد على كل النواحي الكروية داخل النادي الواحد مما يعني أن أي تعديل محلي يتطلب تنسيقاً مع الهيئات القارية لتفادي التعرض لعقوبات قد تشمل حرماناً من المشاركة في دوري أبطال أوروبا
على إثر ذلك أفادت مصادر مقربة من رابطة الليجا أن الأمر قيد الدراسة وسيتم عرضه على لجنة تقنية مكونة من خبراء ماليين وقانونيين لدراسة تأثيره على المنافسة بشكل عام ولتقييم إمكانية تعميمه على بقية الأندية التي تعاني أعباء مماثلة ما يفتح الباب أمام مسار جديد يوازن بين دعم كرة القدم النسائية والشبابية وضمان عدم خروج الأندية الكبرى عن مسار المنافسة العادلة مادياً
أما على الصعيد المحلي فقد تناولت وسائل الإعلام الكتالونية الخبر بترحيب واسع وأشارت صحيفة سبورت إلى أن هذه الخطوة جاءت نتيجة ضغوط جماهيرية صدحت في المدرجات ومواقع التواصل للمطالبة بعدم تهميش دور فئات مهمة في بنية النادي وأكدت أن إدارات سابقة أهملت بشكل كبير فرق السيدات والشباب واستخدمت موازناتها لخدمة الفريق الأول فقط مما أضعف قدرات الأكاديمية على مجاراة مثيلاتها في ريال مدريد ومانشستر سيتي التي حققت صفقات قياسية بدعم من موارد إضافية بعيدة عن القيد ذاته
وقد حذر محللون من أن نجاح برشلونة في فرض هذا التعديل المحلي قد يفتح نزاعاً قانونياً بين رابطة الليجا والاتحاد الأوروبي إذا لم يتم تنسيقه مع تشريعات الاتحاد القاري لأن الأندية المنافسة في البطولات القارية ستخضع لقواعد موحدة ولن يُسمح لأيٍ منها بإجراء استثناءات مالية تفوق المعايير المحددة في نظام اللعب المالي النظيف، ما يعني أن ملف برشلونة سيُدرس بدقة تحت مجهر UEFA قبل إقراره بشكل نهائي
في المقابل يرى نصيرو رابطة اللاعبين الإسبانية أن فصل نفقات فرق السيدات والشباب عن حسابات الفريق الأول سيؤدي إلى دفع الأجور في تلك القطاعات للارتفاع بما يتناسب مع قدراتها التنافسية مما ينعش دوري الأبطال النسائي ويزيد من قيمة التصنيف الدولي للأندية الإسبانية في كرة القدم النسائية كما سيحفز الأندية الأخرى على التوسع في الاستثمار الأكاديمي لتعويض النقص في سوق الانتقالات باعتماد المواهب المحلية
وفي خضم هذا النقاش يحتل برشلونة صدارة اهتمامات الجماهير والمحللين على حد سواء بينما تترقب الأندية المنافسة رد رابطة الليجا النهائي على الطلب الذي قدمته إدارة لابورتا وسط توقعات بأن يشكل منعطفاً جوهرياً في التعامل مع ملف اللعب المالي النظيف محلياً وسيساهم في استقرار الحسابات المالية للنادي الكتالوني ويمهد الطريق أمام صفقات كبرى قبل انطلاق الموسم القادم
ختاماً يمكن القول إن مبادرة برشلونة التاريخية لتفكيك الأعباء المالية وتقسيمها بين قطاعات مختلفة تعكس الاتجاه المتنامي نحو تبني حلول مبتكرة للمشاكل المالية المعقدة في كرة القدم الاحترافية علماً أن نجاحها سيتوقف على مدى المرونة التي ستظهرها الجهات التنظيمية المحلية والقارية في الاستجابة لهذه الدعوة التي قد تحوّل نموذج التعامل مع اللعب المالي النظيف إلى آلية أكثر عدلاً واستدامة لرياضة باتت تتعرض لانتقادات حادة بسبب ارتفاع التكاليف والديون واندثار مشاريع أكاديمية كبرى لصالح إنفاق هائل على سوق الانتقالات.