انتصار تاريخي في أليانز أرينا
نجح كريستيانو رونالدو في قلب تأخر البرتغال أمام المضيف الألماني إلى فوز ثمين ٢-١ على ملعب أليانز أرينا، ليقود منتخب بلاده إلى نهائي دوري الأمم الأوروبية بعد صيام دام ٢٥ عاماً عن تحقيق فوزٍ رسميٍ أمام الماكينات الألمانية. وقد ظهر العملاق البرتغالي بعمر الأربعين في حالة استثنائية من التألق، مواصلاً إصراره على إثبات جدارته رغم رحيله عن النصر السعودي وخروجه دون ألقاب أو تأهلٍ لدوري أبطال آسيا الموسم الماضي.
هدف فيرتس وأداء متواضع في الشوط الأول
حلّ المنتخب الألماني بين شوطي المباراة متقدماً بهدفٍ سجّله لاعب وسطه الشاب فلوريان فيرتس في الدقيقة ٤٨، مستفيداً من تسرّبٍ مفاجئٍ لدفاع البرتغال. وبدت تشكيلة روبرتو مارتينيز متأرجحة في منتصف الملعب، إذ دفع بالثنائي روبن نيفيش وبيرناردو سيلفا في مركز ارتكازٍ دفاعي معتمداً على قدرتهما على بناء اللعب والربط مع الهجوم، لكن التطورات الميدانية في أليانز أرينا كشفت عن صعوبة هذا الثنائي في فرض أسلوبه أمام ضغطٍ ألمانيٍ مكثف. وظهر الشاب فيرتس بمستوىٍ دفاعيٍ وهجوميٍ مميز، واستطاع فرض إيقاعه خلال الشوط الأول.
كونسيساو الابن.. البديل المُغيّر
مع بداية الشوط الثاني عاد مارتينيز لإجراء تصحيحٍ في الخطط بإشراك الشاب الواعد فرانشيسكو كونسيساو بدلاً من نيفيش، وهو التبديل الذي صبّ في مصلحة أسلوب البرتغال، فقد امتلك كونسيساو الابن قدرةً هائلةً على الانطلاق بالكرة والتحكم في المساحة خلف وسط الميدان الألماني.
الهدف الأول.. والعودة النفسية

وفي الدقيقة ٦٣ نجح فرانشيسكو في إدراك التعادل بطريقةٍ رائعة بعدما انطلق من العمق ثم اخترق الدفاع قبل أن يطلق تسديدةً مزدوجةً اصطدمت في الأرض ووصلت إلى الشباك معلنةً هدفاً أشعل المدرجات البرتغالية. ولعب هذا الهدف دوراً نفسياً مهماً، إذ أعاد الثقة لرفاقه واستنهض عزيمتهم في ظل تراجع واضحٍ في أداء أصحاب الأرض بعد التعادل.
رونالدو.. الأسطورة لا تشيخ
لم يمرّ على هدف التعادل سوى خمس دقائق حتى صنع كريستيانو رونالدو هدف الفوز ذاته. ففي الدقيقة ٦٨ تحرك رونالدو داخل منطقة الجزاء بحركةٍ ذكيةٍ خلف الدفاع، قبل أن يتلقّى عرضيةً أرضيةً من فينيسيوس جونيور خلف مدافعي ألمانيا، ويسدد الكرة بدقةٍ قويةٍ في الزاوية البعيدة معلناً هدف الفوز الذي وضع البرتغال في موقع التتويج.
أرقام قياسية جديدة
وبذلك أصبح كريستيانو أول لاعبٍ أوروبي يسجل هدفين دوليينٍ في سن الأربعين، فضلاً عن أنه رفع رصيده الدولي إلى ١٣٧ هدفاً، فيما بات على بعد هدفٍ واحدٍ من الوصول إلى الرقم الألف في مسيرته الكروية الشاملة.
حكاية كونسيساو.. الماضي والحاضر
يحمل هدف فرانشيسكو كونسيساو أيضاً حكايةً استثنائية، إذ أعاد سيناريو عام ٢٠٠٠ عندما هزّ والده سيرجيو كونسيساو شباك منتخب ألمانيا في نهائيات يورو ٢٠٠٠، مسجلاً هدفاً ضمن الثلاثية التي منحت البرتغال الفوز ٣-٠ على الماكينات قبل ٢٥ عاماً بالضبط.
القدر يعيد نفسه
هنا تظهر عبقرية كرة القدم في إعادة السيناريو ذاته عبر جيلٍ جديدٍ يسطّر تاريخاً موازياً لما صنعه الأب. وقد وصف عددٌ من المحللين هذه اللحظة بأنها لحظة قدرٍ لا يُصدّق بين الأجيال، بعدما جاء الهدف من إمضاء الشاب الذي حمل اسمه وموهبته وصنع بصمةً تاريخيةً على مدار دقائق قليلة.
الجانب التكتيكي للمباراة

على مستوى التكتيك، حاول المدرب الألماني هانزي فليك إعادة تنظيم خطوطه بعد الهدف الثاني للبرتغال، فزجّ بالبديلين توني كروس وريفكا غولاسو لزيادة مساحات الاستحواذ والهجوم من العمق، كما أدخل ماركوس تير شتيجن بديلاً للحارس نوير للحفاظ على توازن الدفاع، لكن سرعة البرتغاليين في الانتقال من الدفاع للهجوم حالت دون إعادة التوازن.
التنظيم الدفاعي والتحول السريع
وبدورها حاول البرتغال الحفاظ على التنظيم الدفاعي بعد تسجيل هدف الفوز، معتمدةً على أداء محوري الوسط برونو فرنانديش وفابيو فييرا في قطع تمريرات الألمان قبل وصولها لمنطقة الجزاء.
رد رونالدو على الانتقادات
قبل انطلاق المباراة، كان الحديث منصباً على تراجع القدرة التهديفية لكريستيانو رونالدو بعد أيامٍ صعبةٍ في صفوف النصر السعودي، إذ خرج دون أي بطولةٍ وأهدر فرصاً سهلة أمام مرمى ناديه السابق مانشستر يونايتد. لكن الدون ردّ على كل من شكك في قدرته خلال الفترة الماضية بهدفه الحاسم الذي ردّ له اعتباره أمام أعين ٧٢ ألف مشجعٍ ألمانيٍ قادمين لدعم المانشافت.
السن ليس عائقاً عند رونالدو
ورغم بلوغه سن الأربعين، أكّد رونالدو أنه يمتلك شغفاً لا ينضب، وقاد زملاءه نحو تحقيق فوزٍ كانت البرتغال تترقبه منذ ربع قرن.
ثلاث رسائل من الفوز الألماني
يحمل الانتصار في أليانز أرينا ثلاث رسائلٍ مهمةٍ: أولها أن التجربة الكروية لكريستيانو لم تنتهِ بعد، وأنه قادرٌ على رفع مستوى أي منتخبٍ يلعب له بفضل الإرادة العالية والخبرة التي تراكمت عبر عشرات السنين. ثانيها أن التجربة التكتيكية لروبرتو مارتينيز، رغم البداية المتعثرة، تحسّنت مع بداية الشوط الثاني بعد إدخال فرانشيسكو كونسيساو، ما يلفت النظر إلى أهمية المرونة التكتيكية وإشراك اللاعبين المناسبين في الأوقات الحاسمة. وثالثها أن الجيل الجديد للمنتخب البرتغالي يبدو واعداً وقادراً على حمل الراية خلف نجوم الصف الأول، وهو ما جعل اسم فرانشيسكو كونسيساو يُتداول بقوةٍ في الصحافة الأوروبية كأحد أبرز المواهب الصاعدة.
المباراة النهائية.. والمهمة الكبرى
بعد نجاح البرتغال في تخطي عقبة ألمانيا، ينتظر المنتخب البرتغالي مواجهة قمة بين فرنسا أو إسبانيا في النهائي، وسيكون على مارتينيز أن يدرس أداء منافسه جيداً، ويعدّل خياراته وفقاً للأسلوب الفني الذي يعتمده المنتخبان الآخران.
في الختام.. ليلة لن تُنسى
في الختام، ستكون المباراة النهائية الفرصة المثالية لرونالدو لكتابة فصلٍ جديدٍ في تاريخه الحافل، بعد أن كسر العقدة الألمانية وقدم درساً للعمر وخبرته، كما سيظل اسم كونسيساو الابن راسخاً في ذاكرة الجماهير البرتغالية والعالمية باعتباره وريثاً حقيقياً لإرث والده. ولن ينسى عشاق الكرة هذا المساء التاريخي الذي جمع بين الماضي والحاضر، وأثبت أن روح كريستيانو الدائمة في افتكاك الأرقام القياسية لا مجال لإيقافها، وأن شغف الجيل القادم قد يضفي ألواناً جديدة على قصة البرتغال الكروية.