شهدت سماء الكرة الأوروبية تحولات درامية في الموسم الرياضي الحالي 2024-2025، حيث لم تعد الكرة الإيطالية قادرة على تحمل المزيد من الصدمات بعد التراجع الكبير على الصعيد الأوروبي. ففي الأيام الماضية، ودّعت أندية مثل يوفنتوس، ميلان وأتالانتا منافسات دوري أبطال أوروبا بعدما خسروا في مرحلة الملحق المؤهل إلى ثمن النهائي، تاركين إنتر كآخر عملاق إيطالي في المسابقة. وعلى الجانب الآخر، نجح نادي روما في استعادة مكانته ببطولة الدوري الأوروبي، إذ ضمن تأهله رسميًا إلى دور ثمن النهائي بعد فوزه على بورتو بنتيجة 3-2 في مباراة الإياب بعاصمة روما، بعد تعادله الإيجابي 1-1 في مباراة الذهاب في البرتغال.
تألق ديبالا
جاءت المباراة بين روما وبورتو في إطار منافسات “الملحق” المؤهل إلى ثمن النهائي، حيث استطاع فريق العاصمة الإيطالية استغلال نتيجة التعادل من اللقاء الأول ليحقق انتصارًا حاسمًا. فقد سطر باولو ديبالا، النجم الأرجنتيني الذي كان محور الأنظار طوال المباراة، ثلاثية مذهلة؛ حيث سجّل هدفين في الدقيقتين 35 و39، فيما أضاف نيكولو بيسيلي هدفًا في الدقيقة 83. وعلى الجانب الآخر، لم تخل المباراة من لحظات تقلب مفاجئة حينما استغل فريق بورتو بعض الأخطاء الدفاعية؛ إذ أحرز سامو أوموروديون هدفه في الدقيقة 27 من خلال استغلال “خطأ في مرماه” روما، فيما جاء الهدف الثاني لديفين رينش في وقت بدل الضائع (6+90) ليكمل النتيجة 3-2 لصالح روما.
مفارقات تأقلم سعود عبدالحميد
ومن بين أبرز المحاور التي أثيرت بعد اللقاء، برزت مسألة غياب الظهير الأيمن السعودي، سعود عبدالحميد، عن مشاركاته مع الفريق الأول لنادي روما، حيث أثارت تصريحات مدرب الفريق، كلاوديو رانييري، والشيّخ الرياضي فلوران جيسولفي الكثير من الجدل. فقد تبنّى رانييري حجة أن اللاعب يحتاج إلى مزيد من التأقلم مع خطة اللعب وأجواء الدوري الأوروبي، وهو ما ترك الجماهير تتساءل عن حقيقة هذا التأقلم الذي جعل من سعود يُشارك في أربع دقائق فقط منذ انضمامه إلى الفريق في صيف 2024.
خطة رانييري التكتيكية
تعتبر خطة رانييري الفنية التي يعتمد عليها نظام الضغط العالي والتمريرات القصيرة، من الأساليب التي تتطلب تكاتفًا وتناسقًا كبيرين بين جميع اللاعبين، وهو ما يبدو أنه لم يتحقق بشكل كامل لدى بعض العناصر. فقد ظهرت في مباراة بورتو بعض الفجوات التكتيكية التي أثرت على بناء اللعب بشكل سلس. على سبيل المثال، كان هناك عدم تفاهم واضح بين حارس روما ميل سفيلار وزملائه في قلب الدفاع، مما سمح للعملاق البرتغالي سامو أوموروديون باستغلال هذا الخلل وتسجيل هدفه في الدقيقة 27. كما كاد المدافع إيفان نديكا أن يرتكب خطأ جسيمًا في الشوط الثاني أثناء محاولته بناء اللعب من الخلف؛ إذ تأخر في رد فعله مما منح أوموروديون الفرصة للسيطرة على الكرة وكان ليحول نتيجة التعادل (2-2) إلى هدف التعادل، لولا تدخل القائم في اللحظة الحرجة.
أداء أوموروديون مع بورتو
وفي سياق متصل، برز اسم سامو أوموروديون، المهاجم الإسباني ذو الأصول النيجيرية، كأحد الوجوه الصاعدة في فريق بورتو. انضم أوموروديون إلى الفريق البرتغالي في صيف 2024 قادمًا من نادي أتلتيكو مدريد، وبعقد يمتد لخمس سنوات حتى 30 يونيو 2029. خلال نصف موسم فقط، استطاع المهاجم أن يثبت جدارته وأظهر مزيجًا من التقنية العالية والقوة البدنية، ما أكسبه مكانة بارزة بين الهجوم البرتغالي. في مباراة بورتو وروما، ظهر أوموروديون من خلال هدفه “الخلفي” الذي سجله في الدقيقة 27، مما أبرز قدرته على استغلال الثغرات الدفاعية في الفرق المنافسة. كما أن ضغوطه المستمرة على دفاعات روما أثبتت أن المدربين في العصر الحديث يبحثون عن مهاجمين قادرين على بدء الضغط من مقدمة الهجوم، وليس انتظار بدء اللعب من خط الوسط فقط. وعلى مدار الموسم الحالي، حقق أوموروديون أرقامًا مثيرة للاهتمام مع تسجيل 19 هدفًا وصناعة 3 أهداف في 30 مباراة رسمية، مما يدل على قدرته على التأثير في نتائج المباريات.
دور كواديو كونيه

وفي ظل هذه التحولات، جاء أداء لاعب آخر من صفوف روما ليسلط الضوء على العمق التكتيكي للفريق، وهو كواديو كونيه. اللاعب البالغ من العمر 23 سنة، الذي يتميز بسرعته وتحركه المستمر على أرض الملعب، لعب دورًا محوريًا في خطط رانييري بتشكيلة “3-3-4”. فقد كان كونيه بمثابة جدار صد أمام هجمات بورتو، إلى جانب مشاركته الفعالة في صناعة الفرص الهجومية من خلال تقدمه إلى منطقة الجزاء. ورغم هذا الأداء المتميز، برزت الحاجة إلى دعم إضافي في خط الوسط لتعزيز السيطرة وتنفيذ خطة اللعب التي يضعها رانييري، وهو ما يشير إلى أن روما ما تزال في مرحلة تطور تكتيكي تسعى من خلالها للوصول إلى الأداء الأمثل في المواجهات الأوروبية الحاسمة.
تحديات التأقلم للاعبين الوافدين
تثير هذه الأحداث تساؤلات عدة حول استراتيجية التعامل مع اللاعبين الوافدين، وخاصةً تلك القضايا المتعلقة بوقت اللعب والتأقلم مع بيئة الدوري الأوروبي المختلفة عن الدوري المحلي. إذ أن تجربة سعود عبدالحميد تُعد مثالًا على كيفية محاولات بعض الفرق تكييف أساليبها مع اللاعبين القادمين من بيئات كرة قدم مختلفة. الانتقادات التي وُجهت لحجة “الحاجة إلى التأقلم” تأتي في وقت يحتاج فيه الفريق إلى اعتماده الكامل على جميع العناصر المتوفرة لتعزيز المنافسة في البطولات الأوروبية، خاصةً في ظل المنافسة الشرسة التي تشهدها أوروبا هذا الموسم.
دور الجماهير
وفي المقابل، يتضح أن الجماهير لها دور كبير في صياغة مستقبل اللاعبين، فقد كانت لحظة التمرد الجماهيري في الميركاتو الصيفي عندما حاول نادي القادسية السعودي ضم ديبالا بمثابة ملحمة تُخلد في تاريخ روما. ففي تلك الفترة، اندفعت جماهير الفريق الإيطالي للدفاع عن نجمهم، مما دفع اللاعب إلى البقاء وإظهار التزامه مع الفريق. هذا التأييد الجماهيري الكبير يوضح أن الدعم العاطفي والروح الجماهيرية يمكن أن يكون لهما تأثير بالغ على مسيرة اللاعب وعلى النتائج التي يحققها الفريق في مواجهة التحديات الكبيرة.
مستقبل روما

يُظهر اللقاء ضد بورتو بأن روما ليست مجرد فريق يعتمد على النجوم الفردية فقط، بل هو كيان متكامل يسعى لتحقيق الانسجام بين مختلف عناصره الفنية. فبينما أظهر ديبالا قدرته على تغيير مجريات المباراة بحركاته الذكية وأهدافه الحاسمة، لم تغب أيضًا لمسات اللاعبين الشباب مثل كونيه الذين ساهموا في الضغط المستمر على دفاعات الخصم. هذه الديناميكية بين اللاعبين المخضرمين والشباب تعد من العوامل الرئيسية التي ستساعد الفريق على المنافسة على الألقاب الأوروبية في المستقبل.
ختام الحديث
تبقى أحداث مباراة روما وبورتو درسًا قيمًا في كيفية مواجهة التحديات الكبرى في كرة القدم الحديثة، حيث يتلاقى الضغط التكتيكي مع المتطلبات البدنية والنفسية للاعبين. ومع استمرار الموسم وتكثيف المنافسات، سيكون من الضروري على كل فريق أن يتعلم من أخطائه ويعمل على تحسين أدائه في جميع الجوانب، سواء على مستوى التنظيم الدفاعي أو بناء الهجمات والهجمات المرتدة. وفي هذا السياق، يُعد التأقلم مع بيئة المنافسات الأوروبية تحديًا لا يستهان به، خاصةً للأندية التي تسعى لاستعادة مكانتها بين الكبار.