تفاصيل المساعي والمفاوضات
انطلقت المحادثات بجدية منذ بداية أبريل 2025، حين تقدّم الاتحاد البرازيلي بعرضٍ مغرٍ لأنشيلوتي، صاحب الـ65 عامًا، مستغلين رغبته المفترضة في خوض تجربة جديدة بعيدًا عن الأجواء الأوروبية. ووفقًا لصحيفة "ماركا" الإسبانية، فقد سافر أنشيلوتي إلى لندن تحديدًا للجلوس مع ممثلي الاتحاد البرازيلي ووضع اللمسات الأخيرة على العقد، قبل أن يتلقّى "رسالة مفاجئة" من ريال مدريد تفيد بضرورة بقاءه حتى 30 يونيو 2026 والتمسّك ببقائه لتجنب دفع تعويضات باهظة.
وحسب "ماركا"، فإن العرض البرازيلي ضم راتبًا سنويًا يفوق 8 ملايين يورو، إضافةً إلى بنود تحفيزية على التأهل إلى كأس العالم 2026 وتحقيق الألقاب القارية، مع ضمانات إدارية واستقلالية كاملة في اختيار الجهاز الفني والمساعدين. بيد أن أنشيلوتي رفض خلال لقائه اللندني، مبررًا القرار برغبته في إنهاء مهمته مع "الميرينغي" على أقل تقدير بنهاية عقده الحالي، قبل التفكير في أي تحدٍ جديد.
“الريال يقف في وجه السامبا”

قال موقع "أو غلوبو" البرازيلي إن العقبة الأبرز أمام انتقال أنشيلوتي إلى منتخب البرازيل لم تكن رغبة المدرب بحد ذاتها، بل رغبة ريال مدريد في الحفاظ عليه وعدم التعرض لمطالبات قانونية بسبب إلغاء عقده قبل موعده. وبحسب ذات المصادر، يرى النادي الملكي أن إبرام صفقة جديدة مع الاتحاد البرازيلي يفتح الباب أمام دعاوى مالية ضخمة قد تصل إلى عشرات ملايين اليوروهات، نظرًا لبنود فسخ العقد التي تضمن مستحقات باهظة للمدرب الإيطالي.
كما كشف "أو غلوبو" عن أن الاتحاد البرازيلي حاول تهدئة الخلاف عبر التواصل مع مسؤولي ريال مدريد مباشرةً، والاتفاق على صيغة للتعويض يتشارك فيها النادي الإسباني مع الاتحاد، إلا أن المحادثات لم تسفر عن اتفاق بسبب تعقيد البُنى التعاقدية بين أنشيلوتي وإدارته الحالية.
ذهب البرازيليون بعيدًا في الطرح الإعلامي، فاتهموا ريال مدريد بـ"عرقلة المشروع الوطني"، معتبرين أن المسعى لم يقتصر على الجانب المالي فحسب، بل امتدّ إلى "ضغطٍ سياسي في كواليس الفيفا" لمنع انتقال أحد أبرز المدربين في التاريخ إلى قيادة منتخب السامبا. وهي اتهامات لم تجد نفيًّا واضحًا من قبل "الميرينغي"، لكن النادي أكد بشكل غير مباشر تمسّكه بالمدرب حتى إشعارٍ آخر.
أنشيلوتي بين السعوديّة وميامي

مع إعلان فشل مفاوضات البرازيل، ارتفعت وتيرة التكهنات حول الوجهة المقبلة لأنشيلوتي، خاصة أن تقارير متداولة أكدت تلقّيه عرضًا رسميًا من نادي سعودي مرموق في إطار استقطاب نجوم التدريب العالميين استعدادًا للمواسم المقبلة. ويبدو أن العرض السعودي يشتمل على راتب يتفوق بنسبة 20% على العرض البرازيلي، إضافةً إلى مشاريع تطويرية طويلة الأمد تشمل أكاديميات الشباب والبنى التحتية.
وبالرغم من سخونة العرض السعودي وصيته بجاذبية عقوده وأسلوبه التسويقي حول "كرة القدم الترفيهية"، بدا أن أنشيلوتي لا يفضل الانتقال سريعًا خارج القارة العجوز قبل إنهاء مهمته مع ريال مدريد، وهو ما يشي بأن ملف مستقبله الفني سيظل مُفتوحًا حتى نهاية الموسم الحالي، متى ما حسم "الميرينغي" وضعه سواء بمواصلة الثقة به أو بإعلانه مدربًا سابقًا مع خسارة بعض التأهيلات.
خلفية عن أزمة تعاقب المدربين في السامبا
ليس هذا هو الفشل الأول للاتحاد البرازيلي في جذب مدرب كبير؛ إذ سبق أن خاض مفاوضات مع عدد من الأسماء اللامعة مثل يورغن كلوب ومورينيو، قبل أن تتعثر جميعها لأسباب مالية أو تعاقدية أو لرفض المدربين لظروف العمل غير المهيكلة في الاتحاد. ويعزو بعض الخبراء هذه الإخفاقات إلى ضعف التخطيط الإداري وغياب استراتيجية واضحة للتعاقد مع طاقم فني وإدارة مشاريع طويلة الأجل.
وكان آخر المدربين الذين تعاقبوا على قيادة البرازيل هو تيتي، الذي نجح في تصفيات كأس العالم 2022، لكنه فشل في الوصول إلى نصف نهائي مونديال قطر، قبل أن يرحل ويُكلف لوتشيانو سباليتي خلفًا له عام 2023، ليترك أيضًا منصبه بعد سلسلة من النتائج غير المستقرة في تصفيات كأس الأمم الأميركية الجنوبية.
السيناريو المستقبلي للسامبا
يبقى الاتحاد البرازيلي ملزمًا بملء مقعد المدير الفني قبل انطلاق تصفيات كأس أمم أميركا الجنوبية 2026، وستكون أمامه خيارات محلية تقتصر على مدربين برازيليين أو أسماء أوروبية أقل وزنًا من أنشيلوتي، مع ضمانات مالية قابلة للتنفيذ داخل ميزانية الاتحاد. وفي حال لم يتمكن من ضم مدرب أجنبي، قد يلجأ إلى مواصلة العمل المشترك مع الأرجنتيني خورخي سامباولي أو البحث عن مدرب شاب يملك رؤية هجومية مواكبة لأسلوب السامبا.
ختامًا
تؤكد فوضى المفاوضات مع أنشيلوتي مدى الصعوبات التي يواجهها الاتحاد البرازيلي في حجز مدرب عالمي المستوى، وتفتح الباب أمام تحديات جدية تُعيد طرح سؤال: هل سيتدارك "السامبا" أخطاءه ويضع خطة طويلة الأمد لقيادة فنية ثابتة، أم ستسود المرحلة المقبلة مزيد من التنقلات والتجارب القصيرة الأجل؟